الصفحة الأولى
44656 السنة 133-العدد 2009 مارس 12 15 من ربيع الاول 1430 هـ الخميس
حديث الأسبوع
أمة في وجه العاصفة!
بقلم: مرسـي عطـاالله
يخطئ من يتجاهل أهمية وضرورة وضع حد لحالة التوتر والغليان التي تسود العالم العربي, بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير, بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور, وهو نفس الاتهام الذي جري توجيهه للرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد اعتقاله إثر غزو العراق.
وكنقطة بداية أقول إن المسألة أكبر من أن ينظر إليها بمفهوم عاطفي يمكن أن يغطي علي أخطاء جري ارتكابها في العراق والسودان وتستوجب المحاسبة, ولكن هذه المسألة تعكس حالة كونية جديدة تحمل في طياتها مخاطر مرعبة لاتقف عند حد تصفية الحسابات القديمة, وإنما تمتد لتفريغ مفاهيم السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني من أي مضمون حقيقي.
وأستطيع أن أقول بصراحة ـ تخلو من أي إدعاء ـ إن أخطر مايهدد الأمة العربية في ضوء ما نشهده مستفزا وظالما هو أن ينكفئ كل بلد عربي علي نفسه بمنطق إيثار السلامة, أو أن يحدث خلط بين الواجب الحتمي في المراجعة الضرورية لكل آليات ووسائل التعامل العربي المشترك مع هذه التحديات وبين الحق والالتزام بعدم السماح بانفراط العقد العربي تماما, من خلال استمرار التراجع عن الثوابت والركائز الأساسية التي يقوم عليها بنيان هذه الأمة!
وهنا ربما يكون من الضروري سرعة التوافق علي أن حق السيادة لكل بلد عربي أمر لايخضع للمناقشة, وينبغي علي الجميع المشاركة في دعمه وتحصينه بآليات وسياسات لا تتعارض مع ثوابت وركائز الأمة, لأنه مع التسليم بحق كل بلد عربي في أن يتخذ ما يراه ملائما لمصالحه من سياسات فإن ذلك الحق ينبغي ألا يكون حقا مطلقا يصل إلي حد توريط الأمة العربية فيما لم تقرره بإرادة جماعية ولم تستعد له ولكل التبعات والتداعيات المحتملة له.
وهذا التوافق الذي أتحدث عنه ينبغي أن ينطلق من سؤال نطرحه علي أنفسنا جميعا... إلي أين نحن سائرون؟
إنه سؤال لايحتمل أي تباطؤ في طرحه حتي يمكن لأمتنا العربية أن تحصن نفسها قبل أن يدهمها الطوفان, الذي لو وقع ـ لاقدر الله ـ فإنه لن يزيد من حدة حالة التوتر والغليان في الشارع العربي فحسب, وإنما سيدفع الأمور باتجاه صراعات وانقسامات وصدامات تهدد بتفتيت الأوطان من داخلها.
لعلي أكون أكثر وضوحا وأقول إنه وسط هذا الاضطراب الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط في عدة بؤر من بؤر الأزمات الملتهبة فإنه من الخطأ الجسيم أن يقرأ كل بلد عربي أوراق أي صراع بمفرده وبمعزل عن بقية بؤر الصراعات الأخري التي لاتتداخل مع بعضها لأسباب عضوية وتاريخية وجغرافية فقط وإنما لأن القوي الكبري المنضوية تحت رايات حلف الأطلسي بزعامة أمريكا لم تعد تخفي نواياها في العمل علي إحداث تغييرات جذرية في الخرائط وفي التوجهات السياسية والفكرية علي امتداد منطقة الشرق الأوسط, التي أصبحت في العقيدة الأطلسية الجديدة بمثابة حجر الأساس لبناء نظام دفاعي ضد ما يسمي خطر الإرهاب.
وإذا كان البعض يتصور أن مجئ إدارة أمريكية جديدة برايات جديدة تنتصر للحوار والتفاوض كبديل لرايات المحافظين الجدد ـ التي كانت تجاهر بحق اللجوء للضربات الاستباقية ـ فإن ذلك لا يعني أن أمريكا ومن خلفها دول الأطلسي قد تخلت عن حلم إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط تحت مظلة نظام للأمن الإقليمي يكون تابعا لنظام الأمن الأطلسي وليس شريكا معه!
وربما يعزز ويزيد من أهمية ما أتحدث عنه سلسلة من الإشارات التي لايمكن أن تخطئها العين, ومفادها أن أوراق الملف النووي الإيراني قد دخلت بقوة في الأسابيع الأخيرة علي خط الترتيبات والصفقات الإقليمية, وبالتالي أصبحت جزءا مضافا إلي حزمة التحديات الإقليمية الأخري المفروضة علي العالم العربي, وفي مقدمتها تحديات الخطر الإسرائيلي.
بوضوح شديد أقول إنه ينبغي الانتباه جيدا إلي ما ظهر من إشارات موحية في الآونة الأخيرة باحتمال تصاعد لعبة خلط الأوراق الإقليمية كلها ببعضها البعض... بل إن هناك إيحاءات وتسريبات مقصودة باتت تتحدث عن إمكانية عقد صفقات للمقايضة بين الملف النووي الإيراني وبعض الأزمات الإقليمية الأخري في العراق ولبنان وفلسطين وربما السودان أيضا!
44656 السنة 133-العدد 2009 مارس 12 15 من ربيع الاول 1430 هـ الخميس
حديث الأسبوع
أمة في وجه العاصفة!
بقلم: مرسـي عطـاالله
يخطئ من يتجاهل أهمية وضرورة وضع حد لحالة التوتر والغليان التي تسود العالم العربي, بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير, بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور, وهو نفس الاتهام الذي جري توجيهه للرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد اعتقاله إثر غزو العراق.
وكنقطة بداية أقول إن المسألة أكبر من أن ينظر إليها بمفهوم عاطفي يمكن أن يغطي علي أخطاء جري ارتكابها في العراق والسودان وتستوجب المحاسبة, ولكن هذه المسألة تعكس حالة كونية جديدة تحمل في طياتها مخاطر مرعبة لاتقف عند حد تصفية الحسابات القديمة, وإنما تمتد لتفريغ مفاهيم السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني من أي مضمون حقيقي.
وأستطيع أن أقول بصراحة ـ تخلو من أي إدعاء ـ إن أخطر مايهدد الأمة العربية في ضوء ما نشهده مستفزا وظالما هو أن ينكفئ كل بلد عربي علي نفسه بمنطق إيثار السلامة, أو أن يحدث خلط بين الواجب الحتمي في المراجعة الضرورية لكل آليات ووسائل التعامل العربي المشترك مع هذه التحديات وبين الحق والالتزام بعدم السماح بانفراط العقد العربي تماما, من خلال استمرار التراجع عن الثوابت والركائز الأساسية التي يقوم عليها بنيان هذه الأمة!
وهنا ربما يكون من الضروري سرعة التوافق علي أن حق السيادة لكل بلد عربي أمر لايخضع للمناقشة, وينبغي علي الجميع المشاركة في دعمه وتحصينه بآليات وسياسات لا تتعارض مع ثوابت وركائز الأمة, لأنه مع التسليم بحق كل بلد عربي في أن يتخذ ما يراه ملائما لمصالحه من سياسات فإن ذلك الحق ينبغي ألا يكون حقا مطلقا يصل إلي حد توريط الأمة العربية فيما لم تقرره بإرادة جماعية ولم تستعد له ولكل التبعات والتداعيات المحتملة له.
وهذا التوافق الذي أتحدث عنه ينبغي أن ينطلق من سؤال نطرحه علي أنفسنا جميعا... إلي أين نحن سائرون؟
إنه سؤال لايحتمل أي تباطؤ في طرحه حتي يمكن لأمتنا العربية أن تحصن نفسها قبل أن يدهمها الطوفان, الذي لو وقع ـ لاقدر الله ـ فإنه لن يزيد من حدة حالة التوتر والغليان في الشارع العربي فحسب, وإنما سيدفع الأمور باتجاه صراعات وانقسامات وصدامات تهدد بتفتيت الأوطان من داخلها.
لعلي أكون أكثر وضوحا وأقول إنه وسط هذا الاضطراب الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط في عدة بؤر من بؤر الأزمات الملتهبة فإنه من الخطأ الجسيم أن يقرأ كل بلد عربي أوراق أي صراع بمفرده وبمعزل عن بقية بؤر الصراعات الأخري التي لاتتداخل مع بعضها لأسباب عضوية وتاريخية وجغرافية فقط وإنما لأن القوي الكبري المنضوية تحت رايات حلف الأطلسي بزعامة أمريكا لم تعد تخفي نواياها في العمل علي إحداث تغييرات جذرية في الخرائط وفي التوجهات السياسية والفكرية علي امتداد منطقة الشرق الأوسط, التي أصبحت في العقيدة الأطلسية الجديدة بمثابة حجر الأساس لبناء نظام دفاعي ضد ما يسمي خطر الإرهاب.
وإذا كان البعض يتصور أن مجئ إدارة أمريكية جديدة برايات جديدة تنتصر للحوار والتفاوض كبديل لرايات المحافظين الجدد ـ التي كانت تجاهر بحق اللجوء للضربات الاستباقية ـ فإن ذلك لا يعني أن أمريكا ومن خلفها دول الأطلسي قد تخلت عن حلم إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط تحت مظلة نظام للأمن الإقليمي يكون تابعا لنظام الأمن الأطلسي وليس شريكا معه!
وربما يعزز ويزيد من أهمية ما أتحدث عنه سلسلة من الإشارات التي لايمكن أن تخطئها العين, ومفادها أن أوراق الملف النووي الإيراني قد دخلت بقوة في الأسابيع الأخيرة علي خط الترتيبات والصفقات الإقليمية, وبالتالي أصبحت جزءا مضافا إلي حزمة التحديات الإقليمية الأخري المفروضة علي العالم العربي, وفي مقدمتها تحديات الخطر الإسرائيلي.
بوضوح شديد أقول إنه ينبغي الانتباه جيدا إلي ما ظهر من إشارات موحية في الآونة الأخيرة باحتمال تصاعد لعبة خلط الأوراق الإقليمية كلها ببعضها البعض... بل إن هناك إيحاءات وتسريبات مقصودة باتت تتحدث عن إمكانية عقد صفقات للمقايضة بين الملف النووي الإيراني وبعض الأزمات الإقليمية الأخري في العراق ولبنان وفلسطين وربما السودان أيضا!