44651 السنة 133-العدد 2009 مارس 7 10 من ربيع الاول 1430 هـ السبت
حديث الأسبوع
حسابات عصر القوة
بقلم: مرسـي عطـاالله
بعض الذين أصابتهم الحيرة بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور بينما مجرمو الحرب الحقيقيون في العراق وفلسطين وإقليم كوسوفو مطلقو السراح تغيب عنهم جملة حقائق.
أولي الحقائق الغائبة أننا نعيش عصر القوة فلا شئ يتكلم الآن سوي القوة ولاصوت مسموع سوي صوت الأقوياء الذين يحتكرون حق تعريف المفاهيم والمصطلحات ولديهم الجرأة علي تسمية المقاومة إرهابا, ووصف الإرهاب بأنه حق مشروع للدفاع عن النفس.
هؤلاء الأقوياء هم الذين يتلاعبون بمواصفات حقوق الإنسان من بلد إلي آخر وليس لأحد أن يناقشهم حول ازدواجية المعايير, لأن المعايير عندهم لاتنطلق من التزام بالمبادئ والقوانين الدولية, وإنما تنطلق من حسابات المصالح فقط.
وقد رأينا علي مدي السنوات الأخيرة كيف تتحول الدولة المارقة إلي دولة معتدلة والعكس كذلك, فالمسميات عند أقوياء العصر تتغير بين يوم وليلة وفقا لمعاييرهم وحسابات مصالحهم.
في عصر القوة يملك الأقوياء أن ينتصروا للشرعية الدولية في مكان وأن يدوسوا عليها بالأقدام في مكان آخر, وبالتالي لم يعد غريبا أن يجري تصنيف أي دولة تتجرأ علي أن تقول لا علي أنها دولة مارقة ومتمردة ونظام حكمها غير شرعي وديكتاتوري.
المطلوب للأسف الشديد في عصر القوة أن تدخل الدول الصغيرة والضعيفة بيت الطاعة حتي تنال شرف تصنيفها ضمن لوائح الاعتدال ولايتم اتهامها بعرائض الاتهام التي تبدأ بتهمة عدم احترام حقوق الإنسان, وتتدرج حتي تصل إلي تهمة ارتكاب جرائم حرب.
وهنا أقول إن الأذكياء والعقلاء من رجال الدولة هم الذين يحسنون قراءة هذا الواقع المؤسف لعصر القوة بمعطياته المعقدة ومتغيراته المتسارعة حتي تتوافر لهم القدرة علي تفادي العواصف وتجنب الأعاصير من خلال معادلة دقيقة توفر غطاء الاعتدال وتتجنب أي مظهر للتخاذل أو الركوع.
والحمد لله أن مصر العظيمة بسياستها الحكيمة تدرك جيدا الفرق بين الاعتدال والتخاذل, فالاعتدال إعمال للعقل في القدرة علي التمسك بالحق, في حين أن التخاذل هو التطرف السلبي من خلال تضخيم الإحساس بالخوف من الخوف.
وما أحوج أمتنا العربية في مواجهة عصر القوة الذي ترتفع فيه رايات الهيمنة إلي سياسات اعتدال عاقلة وكريمة تتجنب التناطح بالرأس قدر الإمكان مع المتهورين دون تفريط في مبدأ أو تنازل عن حق أو تجاهل لمعطيات عصر غاشم يتطلب حسن قراءة أوراقه بدقة وعناية وحذر!
بداية الصفحة
حديث الأسبوع
حسابات عصر القوة
بقلم: مرسـي عطـاالله
بعض الذين أصابتهم الحيرة بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور بينما مجرمو الحرب الحقيقيون في العراق وفلسطين وإقليم كوسوفو مطلقو السراح تغيب عنهم جملة حقائق.
أولي الحقائق الغائبة أننا نعيش عصر القوة فلا شئ يتكلم الآن سوي القوة ولاصوت مسموع سوي صوت الأقوياء الذين يحتكرون حق تعريف المفاهيم والمصطلحات ولديهم الجرأة علي تسمية المقاومة إرهابا, ووصف الإرهاب بأنه حق مشروع للدفاع عن النفس.
هؤلاء الأقوياء هم الذين يتلاعبون بمواصفات حقوق الإنسان من بلد إلي آخر وليس لأحد أن يناقشهم حول ازدواجية المعايير, لأن المعايير عندهم لاتنطلق من التزام بالمبادئ والقوانين الدولية, وإنما تنطلق من حسابات المصالح فقط.
وقد رأينا علي مدي السنوات الأخيرة كيف تتحول الدولة المارقة إلي دولة معتدلة والعكس كذلك, فالمسميات عند أقوياء العصر تتغير بين يوم وليلة وفقا لمعاييرهم وحسابات مصالحهم.
في عصر القوة يملك الأقوياء أن ينتصروا للشرعية الدولية في مكان وأن يدوسوا عليها بالأقدام في مكان آخر, وبالتالي لم يعد غريبا أن يجري تصنيف أي دولة تتجرأ علي أن تقول لا علي أنها دولة مارقة ومتمردة ونظام حكمها غير شرعي وديكتاتوري.
المطلوب للأسف الشديد في عصر القوة أن تدخل الدول الصغيرة والضعيفة بيت الطاعة حتي تنال شرف تصنيفها ضمن لوائح الاعتدال ولايتم اتهامها بعرائض الاتهام التي تبدأ بتهمة عدم احترام حقوق الإنسان, وتتدرج حتي تصل إلي تهمة ارتكاب جرائم حرب.
وهنا أقول إن الأذكياء والعقلاء من رجال الدولة هم الذين يحسنون قراءة هذا الواقع المؤسف لعصر القوة بمعطياته المعقدة ومتغيراته المتسارعة حتي تتوافر لهم القدرة علي تفادي العواصف وتجنب الأعاصير من خلال معادلة دقيقة توفر غطاء الاعتدال وتتجنب أي مظهر للتخاذل أو الركوع.
والحمد لله أن مصر العظيمة بسياستها الحكيمة تدرك جيدا الفرق بين الاعتدال والتخاذل, فالاعتدال إعمال للعقل في القدرة علي التمسك بالحق, في حين أن التخاذل هو التطرف السلبي من خلال تضخيم الإحساس بالخوف من الخوف.
وما أحوج أمتنا العربية في مواجهة عصر القوة الذي ترتفع فيه رايات الهيمنة إلي سياسات اعتدال عاقلة وكريمة تتجنب التناطح بالرأس قدر الإمكان مع المتهورين دون تفريط في مبدأ أو تنازل عن حق أو تجاهل لمعطيات عصر غاشم يتطلب حسن قراءة أوراقه بدقة وعناية وحذر!
بداية الصفحة